Back Home

هل نجحنا بالفعل؟

من كان يظن أن الأمر سيكون بتلك السهولة؟ 

 

 

مدخل:

 

هذه الحياة نوع من الدعابة، لكن المصيبة حينما تعلم أنك أنت موضوع تلك الدعابة.

-د. أحمد خالد توفيق.

 

لم أعتد أن أكتب المقالات بالشكل المتعارف عليه، وأشعر أنني مكبل اليدين، وأنا الشاعر الفحل الفذ المُـجيد، الذي كانت تنهال الحروف عليه طوعًا إن أحبت، وإلا فكراهيةً إن أنِفت. على العموم، في هذا المقال نستحضر الاقتباس الفائت، وأتحدث إليكم عن الكثير من الأشياء، لتكون بداية لما سيكون عليه هذا الموقع.

 

لماذا المدونة، الآن؟

قد يظن البعض أن هذا الأمر وليد اللحظة، لكنه خطة محكمة كنت قد بدأتها في شهر يوليو - تموز الماضي. وينقسم هذا القرار إلى عدة أقسام، وهي ما يلي:

1- الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي:

منذ 2016 وأنا أصارع التغيرات التي طرأت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، أذكر أنني قد قمت -بلا أي سبب يذكر- بمسح جميع وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها الواتساب، وكانت صدمتي آنذاك هو صوت العصافير. لم أكن أعلم أن العصافير تعيش معنا في الحي. تلك المرة التي سمعت فيها صوت العصافير شعرت أنني كنت أفتقد الحياة بكل أشكالها. المهم أنني عشت قرابة السنة بانعزال تام عن وسائل التواصل الاجتماعي، عكفت فيها على قراءة الكتب، والتي كانت متنفسا جميلا لي. مرت الأيام وأنا أحاول تكرار الفكرة بين فترة وأخرى، وكان الأمر جميلا. أستعيد تركيزي وتتضح رؤيتي للأمور. في شهر تموز الماضي أرسل لي صديقي أحمد الساري رابطًا لبودكاست أزعم أنه قد غير حياتي. ذلك البودكاست الجميل كان للرائع محمود أبو عادي وقد حل ضيفًا على أسامة غاوجي في بودكاست فاصلة منقوطة. يطول الشرح لكن يكفيني أن أستطرد الآن حول البودكاست في جمل معدودة. تحدث أبو عادي عن البطولة في عالم ما بعد البطولة، عن مشاكل استحضار وجود الله عز وجل في حياة الإنسان، عن العلمنة والمكننة التي أحكمت قبضتها على متغيرات الإنسان، فتعزز عنده مفهوم الاستغناء عن الخالق، والكفر بعبادته جل وعلا، حاشاه ما نفعل.

كانت الفكرة السائدة في بداية اللقاء هي محاولة الإجابة عن السؤال الأزلي، لماذا فقدنا أنفسنا؟ لماذا فقدنا المعنى؟ لماذا فقدنا الحياة والغاية؟. هذه الاسألة هي ذاتها التي طرحتها في أواخر 2022 حينما شعرت بانعدام المعنى. هذه الاسألة ذاتها التي دفعتي للاستقالة من عملي والمضي قدما في تحدٍ جديد.

نظرية المقارنة الاجتماعية:

طرح الباحث في علم النفس الاجتماعي، ليون فيستنجر عام 1954، نظرية المقارنة الاجتماعية التي ترتكز على الاعتقاد بوجود دافع داخل الأفراد للحصول على تقييمات ذاتية دقيقة. تشرح النظرية كيفية تقييم الأفراد لآرائهم وقدراتهم بمقارنة أنفسهم بالآخرين، من أجل الحد من عدم اليقين في هذه الأمور، وتعلم كيفية تعريف الذات

 

يمر البودكاست حتى يتحدث عن أزمة وسائل التواصل، وكيف أن المقارنة الاجتماعية لما هي عليه حياة الآخرين قد باتت تورثنا الشعور بالندم، بل إنها -وهذا الأكثر إخافة- أصبحت تجعلنا نحاكم قناعاتنا إلى قناعات الآخرين. الموضوع باختصار كما شرحه محمود: لنفترض أنك وزميلك تخرجتما من نفس الكلية، وفي نفس الدفعة. توظف هو وبدأ بالعمل وكسب المال، ربما كانت وظيفته بسبب امتلاكه "واسطة"، وهذا رزقه في النهاية. أنت على الصعيد الآخر تكافح وتبحث في كل مكان عن وظيفة تكفيك ذلة السؤال. زميلك ينشر إنجازاته على لينكد إن، أو على الانستقرام. سيارات وعطلات والكثير من السعادة. يتسرب إليك شعور بالذنب، لماذا لم أحصل على وظيفة حتى الآن. والأكثر إخافة هنا، أن تقيم شخصية زميلك، فتقول: ربما "مشت أموره"  لأنه ناجح في النفاق الاجتماعي، وعليه لكي "تمشي أموري"  فيجب علي أن أصبح منافقا اجتماعيا. هذه الحالة من مساءلة الذات أصبحت مسألة خطيرة، أننا أصبحنا نحاكم قناعاتنا لقناعات الآخرين، وهذه الحالة وقودها وسائل التواصل الاجتماعي التي سأوضح فكرة أخيرة عنها.

 

هل وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين بالفعل؟ هل هو أداة نستخدمها كيفما أردنا؟

إن الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي أنها أداة محايدة، أو أنها أداة أصلا، لهو حديث من منظور ضيق جدا. ودليل ذلك الفيديوهات التي نشاهدها. في بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كما أذكر، كنا نشاهد الفيديوهات والمشاهد التي لا حصر لها على الفيسبوك مثلا. كان الفيديو يبلغ متوسط طوله 5-10 دقائق، ولم نكن نشعر بالملل بتاتا. الآن، ومع ظهور الريلز والتيكتوك، أصبح الفيديو ذو الدقيقة الواحدة مملا جدا، ونتخطاه في غالب الوقت. لذا فإن الحديث عنها من منظور أداتي Instrumental هو حديث فاشل بكل المقايس والأصعدة. فهي تغير سلوكنا البشري بغير وعينا.

الخلاصة:

وعليه، فقد كان المخرج الأول للخطة، هو استعادة القبضة المحكمة على حياتي الشخصية، فكان منها الاستغناء عن هذه الوسائل لاستعادة التركيز الذي فقدته كثيرا، ولممارسة الكثير من الهوايات المؤجلة، وللاعتناء بالشعر عناية جيدة جديدة، وللكثير مما لا ينبغي الحديث عنه خشية تشويهه، فالتسويف عدو الإنسان، والحديث عن ما ترغب بفعله لا يعني فعله بأي شكل من الأشكال.

2- الرغبة بالتدوين:

إن الكثير من الأفكار التي تأتيني، وأشاركها مع الأصدقاء والمقربين، تكون متناثرة وغير منظمة، ولذا ومن غير إطالة، أنا أحب الكتابة. أحب التعبير. أحب وصف الأشياء، أحب اللعب بالكلمات، وأحب الشعر، وأكتب الشعر وأسكر به، ولذا كانت المدونة.

وفي هذا السياق، فإن المدونة لم تكن الخيار الأول. أو الموقع الشخصي بالتحديد. كل مافي الأمر أنني كنت أحب أحد المواقع المختصة بالتدوين، وكنت سأدون فيه، لكنه كان مدفوعا للكاتب والقارئ. ولذا فقد غضبت، وقلت: سأبرمج موقعي الشخصي. وكان ذلك. فهذا الموقع هو بمثابة سيرة ذاتية، ومدونة أنفس فيها عن ما يجول في خاطري، وقليل من الشعر الذي قد أنشره، وقد لا أفعل أبدا كما لم أفعل من قبل.

3- استعادة مركزية التصورات القيمية والأخلاقية للفرد المسلم:

في هذا الصدد، إن الحل الأوحد للهروب من عالم الرأسمالية، ومن جحيم العلمانية -أو الخلقانية كما أسماها الدكتور نايف بن نهار- هو أن يستعيد الفرد المسلم مركزية التصورات القيمية والأخلاقية في حياته. لماذا أعيش؟ ما هي مرجعيتي؟ ما هو الصواب وما هو الخطأ؟ ما هي الفضيلة؟ وما هي الرذيلة؟ إذا أشكل علي شيء فمن ذا يقومني؟ ومن ذا ينصحني؟ كل هذه التساؤلات جوابها واحد: كتاب الله وسنة نبيه. وكفى بالله ناصرا ومعينا، وكفى بالله راحما ورحيما.

 

السؤال المبتذل، من أنا؟

لأتجنب الابتذال، أنا عبدالله السليمان، امرؤ مسلم، أخطي وأصيب، وأجاهد نفسي أن أهذبها وأربيها، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي. أكمل الدكتوراه في الجامعة التقنية الماليزية UTM، أكتب الشعر، وأحب الشعر، وأجيد الأمن السيبراني من حيث التخصص، وفي هذه المدونة، ستجدون ما أفكر به، وما أشعر به، وما أسعى إليه. والله من وراء القصد.

 

 

الحياة حشد من الاختيارات الطفيفة في كل مرة، لكن كل اختيار يقودك لمنعطف جديد. في النهاية تقف عند الجانب الآخر من المدينة وتتساءل أين كنت ستكون لو اخترت أشياء أخرى؟ الفكرة التي تصدع الرأس أن يكون هؤلاء جميعًا موجودين في أطراف المدينة الأخرى لكنك لا تعرف عنهم شيئًا ولا تعرف كيف تجدهم!

-د. أحمد خالد توفيق.

 

 

مخرج:

 

وشوقٌ من غريب الدار .. أعيت دونه السبلُ
مقيمٌ حيث يصطرع المنى .. والسعي .. والفشلُ
وحيث يعارك البلوى .. فتلويه .. ويعتدلُ
وحيث جبينه يبسٌ .. وحيث جنانه خضلٌ
وإذ نضبت أفاويق الصبا ... فهباتها وشلُ

-محمد مهدي الجواهري، شاعر العرب الأكبر.

 

 

 



 

كتبه العبد الفقير إلى الله abdulah

Nov. 5, 2023, 6:24 p.m.