فلسفة الحسيب والرقيب
مدخل
السلام عليكم،
كنت قد عزمت على إكمال المدونة، لكنني لم أجد ما أكتب عنه. رأيت كل شيء تصنّعًا لا حاجة له. ولأن الغاية الأولى كانت ترك الزيف، وترك ما تمليه عليك العجلة الرأسمالية الساحقة، لم أجبر نفسي على شيء.
كانت فترة جميلة، فعلت فيها الكثير والكثير، والآن نعود لكم في مقال جديد، أو ملاحظة نظرية جديدة إن صحّ التعبير. هذه الملاحظة كانت متبلورة عندي منذ زمن، لكنني لم أجد تفسيرًا منطقيًا يبررها.
في حوار لي مع Syahmi، والتي تذكرني بقول الشنفرى، أقتبسه لها -بتصرّف-:
هي الأهل لا مستودع السر ذائع – لديها ولا الجاني بما جر يُخذلُ
كنت أشرح لها الفكرة وراء النظرية، وخطر في بالي حينها التفاتة للرائع محمود أبو عادي، وهو يعرج على نظرية التنافر المعرفي، في بودكاست عن علم النفس التحرري. وكانت هي الرابط العجيب، أو هذا ما أظنه.
وعلى أية حال، فهذه مساحة للتعبير، يصحّ فيها ما يكون، ويبطل فيها ما يبطل.
هذا اقتباس ممتاز يظهِر مثل Medium — نص مركّز، مائل وبحجم أكبر.
ابن الحكمة
الشعور بعدم الراحة
النظرية التي كنت أطرحها تتعلق بالشعور بالذنب حيال التصرفات الفردية للإنسان.
هب أنك خرجت للتو من المسجد مع أصدقائك أو أقربائك، ثم قام أحدكم بإلقاء نكتة جريئة، أو بتعليق غير جيد على أحد الناس، أو حتى بشتم أحدكم على سبيل المزاح.
أول ما يتبادر إلى الأذهان في هكذا موقف:
- اتق الله، توّنا طالعين من المسجد.
- أستغفر الله، تونا كنّا نصلي.
بل هب أن رجلًا ماتت امرأته، أو مات له أحد، ثم في نفس يوم الوفاة ضحك أو أظهر شيئًا من الفرح. كيف يتقبّل الناس ذلك؟ كيف يضحك في يوم الحزن؟
السؤال هنا: لماذا؟
لماذا نستنكر هذه التصرفات؟ ولماذا نشعر بالحرج إن صدرت منا؟
نظريتي
اعتقاد البشر بوجود الحسيب والرقيب، أي الله جل جلاله، ثم ارتكاب ما يكرهه الله، يورثهم شعورًا بالذنب.
وبذلك فإن الإنسان، في عادته، يتجنب فعل ما يكرهه الله الحسيب الرقيب كي لا يجد نفسه في مأزق معرفي.
ومن هنا نجد الإسلام يحثّ على المواظبة على التذكير والإكثار من الذكر.
لكن قبل أن ندخل إلى هذا المدخل، دعنا نرى ماذا يقول علم النفس (وأنا لست مختصًا به، لكنني قرأت ما أجده منطقيًا).
نظرية التنافر المعرفي
تركّز نظرية ليون فستنغر للتنافر المعرفي حول كيفية سعي البشر إلى خلق حالة من الاتساق الداخلي.
الفرد الذي يواجه تنافرًا معرفيًا يشعر بعدم الارتياح النفسي، فينشأ داخله دافع لتقليل هذا التنافر. ولذلك يلجأ إلى:
- محاولة الحد من التناقض،
- أو تجنّب الحالات والمعلومات التي قد تزيد من حالة التنافر.
الإسلام وفلسفة الحسيب والرقيب
بعد أن شرحنا النظرية، نجد أن التفسير المنطقي لشعور البشر بالحرج عند صدور فعل غير أخلاقي مباشرة بعد فعل أخلاقي، هو أنهم يوضعون في حالة من التناقض النفسي.
إنهم يؤمنون بشيء، ثم يناقضونه بأفعالهم.
ولو أمعنّا النظر، لوجدنا أن صاحب الشريعة أمرنا بكثرة الذكر، وكثرة التذكير:
- عند لبس الملابس لنا ذكر.
- عند دخول الحمام والخروج منه.
- عند الأكل والفراغ منه.
- عند الخروج من المنزل.
- عند ركوب السيارة.
- وهلم جرًّا.
فسؤالي لك:
هل يعقل بعد دعاء السفر، أن تطلب من الله أن يحفظك، ثم تعصي الله في نفس اللحظة؟ ألن تشعر بالحرج؟ ألن يكون في ذلك تناقض صارخ؟
أو في مثال آخر: هل يعقل أن تدعو الله عند استيقاظك من النوم بدعاء الصباح، ثم تبدأ يومك بمعصية أو بفعل غير أخلاقي؟
الخاتمة
هذه الحالة من التنافر المعرفي، من التناقض بين ذكر الله وبين الهمّ بالمعصية، هي ما يبقينا نصارع على طريق الاستقامة.
نسأل الله سبحانه أن يعيننا على ذلك، وأن يثبتنا في السير فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مخرج
روى الإمام الطبراني في معجمه الكبير، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[يا شداد بن أوس، إذا كنَز الناسُ الذهبَ والفضة، فاكنِز هؤلاء الكلماتِ:
اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك شُكْر نعمتك، وحُسْن عبادتك، وأسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا، وأسألك من خير ما تَعلَم، وأعوذ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب].
هذا حديث صحيح صحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (3228)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند.
2025-07-08